علي و تفسيرالقرآن

flower 12

   

   

إنَّ تفسير القرآن الشريف الذي لا يدرك آياته إلاَّ الله والراسخون في العلم هو من أجلّ العلوم التي تتوقف عليها الهداية إلى حقائق أوامر الله ونواهيه. وبالبداهة إنَّ أقدر الناس على تفهم الآيات وإدراك فحاويها هم الذين تلقوها من فم المصطفى (صلى الله عليه وآله) ولا يتمُّ هذا إلاّ للذين تشرفوا بصحبته وشهدوا الظروف التي نزلت فيها وتلقوا من فم الحضرة النبوية تفسيرها وليس في أصحاب رسول الله من المهاجرين والأنصار من لازمه ملازمة الإمام علي (عليه السلام) وقد عرفنا أنّه لزمه وهو فتىً وتربى على يديه وتأدب بأدبه وساعده ذكاؤه الفطري العجيب على وعي هاتيك الحقائق الإلهية وإدراك سامي معانيها فما عجيبٌ والحالة هذه إذا ما كان (عليه السلام) أفضل من تفهم المثاني وفسّرها للناس وقال غير مرةٍ: (اسألوني قبل أن تفقدوني) بل وهل غيره يستطيع أن يقول هذا القول فيجمع الناس على أنّه ما ادّعى دعوى لم يدعمها برهان ولا قال قولةً يكذبها الامتحان.
ومن المعلوم أنَّ علماء التفسير من صدر الإسلام حتى يومنا هذا يستندون إلى ما روته الصحابة في تفسير الآيات وميقات نزولها والضرورة التي نزلت لأجلها وتفسير المصطفى (صلى الله عليه وآله) لها وأكثر ما يستشهدون به وهو مرويات سيدنا علي أمير المؤمنين وعبد الله بن عباس وأقوالهما.
أما سيدنا علي فحاله من صحة الرأي وصدق التفسير ما مجال إلى الشكّ فيه. وأما عبد الله بن عباس وهو ابن عمّ رسول الله العباس فقد تربى وتثقف على يدي سيدنا أمير المؤمنين وصحبه طوال حياته منذ شبَّ إلى يوم فرّق بينهما الموت ما فارقه لحظةً فيكون كل ما نقل عن عبد الله بن عباس كأنّه منقول عن معلمه ومربيه. وهكذا يرجع فن تفسير القرآن إلى سيدنا أمير المؤمنين بغير جدال.

• وقال المجلسي: سألوه (صلوات الله عليه)، عن لفظ الوحي في كتاب الله تعالى فقال: منه وحي النبوة، ومنه وحي الإلهام، ومنه وحي الإشارة ومنه وحي أمر، ومنه وحي كذب، ومنه وحي تقدير، ومنه وحي الرسالة فأمّا تفسير وحي النبوة والرسالة فهو قوله تعالى: (إنا أوحينا إليك كما أوحينا إلى نوح والنبيين من بعده وأوحينا إلى إبراهيم وإسماعيل ويعقوب...).
وأما وحي الإلهام قوله عز وجل: (وأوحى ربك إلى النحل أن اتخذي من الجبال بيوتاً ومن الشجر ومما يعرشون) ومثله: (وأوحينا إلى أم موسى أن ارضعيه فإذا خفت عليه فألقيه في اليم).
وأما وحي الإشارة فقوله عز وجل: (فخرج على قومه من المحراب فأوحى إليهم أن سبّحوا بكرةً وعشياً) أي أشار إليهم لقوله تعالى: (ألا تكلم الناس ثلاثة أيام إلا رمزاً).
وأما وحي التقدير فقوله تعالى: (وأوحى في كل سماء أمرها وقدر فيها أقواتها).
وأما وحي الأمر فقوله سبحانه: (وإذ أوحيت إلى الحواريين أن آمنوا بي وبرسولي).
وأما وحي الكذب فقوله عز وجل: (شياطين الإنس والجن يوحي بعضهم إلى بعض...).
وأما وحي الخبر فقوله سبحانه: (وجعلنا منهم أئمة يهدون بأمرنا وأوحينا إليهم فعل الخيرات وإقام الصلاة وإيتاء الزكاة وكانوا لنا عابدين).

• قال النديم في باب تسمية الكتب المصنفة في تفسير القرآن: كتاب الباقر محمد بن علي (عليه السلام) بن الحسين بن علي (عليه السلام).

• وروى الحافظ ابن مردويه بسنده عن أنس بن مالك قال: (بينا أنا عند رسول الله (صلى الله عليه وآله) قال الآن يدخل سيد المسلمين، وأمير المؤمنين، وخير الوصيين، وأولى الناس بالنبيين، إذ طلع علي بن أبي طالب (عليه السلام) فأخذ رسول الله يمسح العرق من وجهه ويمسح به وجه علي بن أبي طالب، ويمسح العرق من وجه علي، ويمسح به وجهه، فقال له علي: يا رسول الله (صلى الله عليه وآله) نزل فيّ شيء؟ قال: أما ترضى أن تكون منّي بمنزلة هارون من موسى إلا أنه لا نبي بعدي. أنت أخي ووزيري وخير من أخلف بعدي. تقضي ديني وتنجز وعدي وتبيّن لهم ما اختلفوا فيه من بعدي، وتعلمهم من تأويل القرآن ما لم يعلموا وتجاهدهم على التأويل، كما جاهدتهم على التنزيل)(1).

• روى الشنقيطي بإسناده عن أبي الطفيل: (كان علي يقول: سلوني سلوني وسلوني عن كتاب الله تعالى، فوالله ما من آية إلا وأنا أعلم أنزلت بليل أو نهار... في سهل أم جبل... ولو شئت أوقرت سبعين بعيراً، من تفسير فاتحة الكتاب)(2).

• قال العاصمي: (رأيت في بعض الكتب: دخل قوم من اليهود على علي بن أبي طالب (كرم الله وجهه) وقالوا له: لولا ثلاث آيات في كتابكم لآمنا برسولكم، فقال علي بن أبي طالب: وما تلك الآيات؟ قال: إحداهما: (ومن يطع الرسول فقد أطاع الله) كيف يكون طاعة المخلوق كطاعة الخالق، والثانية: قوله: (كل يوم هو في شأن) فأي شأن ذلك؟ والثالثة قوله: (وأنه هو أضحك وأبكى) وهذا من صفة النائحة والمسخرة.
فقال علي (كرم الله وجهه): أما قوله: (من يطع الرسول فقد أطاع الله) فكأنه يقول إن لم تبلغ تماماً إلى طاعتي فلا تقصر في طاعة الرسول لكي أهب تقصيرك في طاعتي بحرمة طاعة الرسول، وأما قوله: (كل يوم هو في شأن) فمن شأنه ثلاثة أشياء: أولها ينقل قوماً من أصلاب الآباء إلى أرحام الأمهات، وقوماً ينقلهم من أرحام الأمهات إلى الدنيا، وقوماً يخرجهم من الدنيا إلى الآخرة، فهو ينقل هذه العساكر الثلاثة آناء الليل وآناء النهار، وأما قوله: (أضحك وأبكى) فمعناه أضحك الأرض بالأشجار والأشجار بالأنوار، وأبكى السماء بالأمطار)(3).

• قال ابن أبي الحديد: (ومن العلوم علم تفسير القرآن وعنه أخذ ومنه فرع وإذا رجعت إلى كتب التفسير علمت صحة ذلك لأن أكثره عنه وعن عبد الله بن عباس، وقد علم الناس حال ابن عباس في ملازمته له وانقطاعه إليه وأنه تلميذه وخريجه وقيل له: أين علمك من علم ابن عمك؟ فقال: كنسبة قطرة من المطر إلى البحر المحيط)(4).

• روى محمد بن رستم بإسناده عن أنس قال (صلى الله عليه وآله): (أنت أخي ووزيري وخير من أخلف بعدي وتقضي ديني وتنجز موعدي وتبيّن لهم ما اختلفوا فيه من بعدي، وتعلمهم من تأويل القرآن ما لم يعلموا وتجاهدهم على التأويل كما جاهدتهم على التنزيل)(5).

• قال الزرندي: (قال الشعبي: ما كان أحد من هذه الأمة، أعلم بما بين اللوحين، وبما أنزل على محمد (صلى الله عليه وآله) من علي)(6).

• روى ابن عساكر بإسناده عن سيف بن وهب، قال: (دخلت على رجل بمكة يكنى أبا الطفيل، فقال: أقبل علي بن أبي طالب ذات يوم حتى صعد المنبر فحمد الله وأثنى عليه، ثم قال: يا أيها الناس سلوني قبل أن تفقدوني فوالله ما بين لوحي المصحف آية تخفى علي، فيم أنزلت ولا أين نزلت ولا ما عُني بها)(7).

• وروى بإسناده عنه قال: (سمعت علياً وهو يخطب الناس فقال: يا أيها الناس سلوني فإنكم لا تجدون أحداً بعدي، هو أعلم بما تسألونه مني، ولا تجدون أحداً أعلم بما بين اللوحين مني فسلوني)(8).

• قال أبو جعفر الإسكافي: (ذكروا أن ابن الكواء لما سمع علياً (عليه السلام) يقول: سلوني قبل أن تفقدوني، سلوني فإن العلم يقبض قبضاً، سلوني فإن بين الجوانح (منّي) علماً جمّاً.
فقام إليه ابن الكوّاء فقال: أنا أسألك يا أمير المؤمنين، فقال: سل تفقهاً ولا تسأل تعنّتاً. وسل عمّا يعنيك ودع ما لا يعنيك، قال: يا أمير المؤمنين، ما (الذاريات ذرواً)؟ قال: تلك الرياح.
قال: فما (الحاملات وِقراً)؟ قال: تلك السحاب.
قال: فما (الجاريات يُسراً)؟ قال: تلك السفن.
قال: فما (المقسمات أمراً)؟ قال: تلك الملائكة.
قال: فحدثني عن قول الله: (والبيت المعمور والسقف المرفوع) [الطور 4 - 5].
قال: ذلك الضراح بيت في السماء يدخله كل يوم سبعون ألف ملك.
قال: فحدثني عن ذي القرنين، أنبيٌّ أم ملك؟ قال: ليس واحد منهما ولكن كان عبداً نصح لله فنصح الله له وأحبّ الله فأحبه.
قال: فأخبرني فيمن نزلت هذه الآية: (ألم تر إلى الذين بدلوا نعمة الله كفراً وأحلوا قومهم دار البوار) [سورة إبراهيم: الآية 28] قال: هما الأفجران من قريش، بنو أمية وبنو المغيرة، فأما بنو المغيرة فقطع الله دابرهم يوم بدر، وأما بنو أمية فمُتّعوا إلى حين.
قال: فحدثني عن قوله: (قل هل أنبئكم بالأخسرين أعمالاً الذين ضلّ سعيهم في الحياة الدنيا وهم يحسبون أنهم يحسنون صنعاً) [سورة الكهف: الآية 103] قال: هم أهل حروراء.
قال: يا أمير المؤمنين، فحدثني عن هذه المجرة ما هي؟ قال: هذه أسراج السماء ومنها هبط من السماء الماء المنهمر.
قال: يا أمير المؤمنين: فحدثني عن قوس قزح؟ قال: لا تقل قوس قزح، ولكنه قوس الله وأمان من الغرق.
قال: فحدثني عن هذا المحق الذي في القمر ما هو؟ قال: قال الله: (فمحونا آية الليل وجعلنا آية النهار مبصرة) [سورة الإسراء: الآية 12]. كأن ضوء القمر مثل الشمس فمحاه الله.
قال: فحدثني عن أصحاب رسول الله (صلى الله عليه وآله) قال: سل عمن أحببت، قال: عبد الله بن مسعود، قال: قرأ القرآن وقام عنده.
قال: فحدثني عن أبي ذر الغفاري، قال: عالم شحيح على علمه.
قال: فعن حذيفة بن اليمان، حدثني، قال: عرف المنافقين وسأل عن المعضلات ولو سألتموه وجدتموه بها خبيراً.
قال: فحدّثني عن سلمان الفارسي؟ قال: عَلِم عِلْمَ الأول وعلم الآخر وهو بحر لا يُنزح، ويحك ومن لك بلقمان الحكيم؟ وهو منّا أهل البيت.
قال: فحدثني عن عمار بن ياسر، قال: خالط الإيمان شعره وبشره ولحمه ودمه وعصبه وعظامه وهو محرّم على النار، كيف زال الحق زال معه عمار.
قال: فحدثني عن نفسك، قال: قال الله: (فلا تزكوا أنفسكم)، قال: وقد قال: (وأما بنعمة ربك فحدث) [سورة الضحى: الآية 11].
قال: ويحك كنتُ أول داخل على النبي وآخر خارج من عنده، وكنتُ إذا سُئلتُ أعطيتُ وإذا سكتُّ ابتديتُ، وكنتُ أدخل على رسول الله (صلى الله عليه وآله) في كل يوم دخلة وفي كل ليلة دخلة وربما كان ذلك في بيتي يأتيني رسول الله (عليه الصلاة والسلام) أكثر من ذلك في منزلي، فإذا دخلت عليه في بعض منازله أخلا بي وأقام نساءه فلم يبق عنده غيري، وإذا أتاني لم يقم فاطمة ولا أحداً من ولدي فإذا سألته أجابني، وإذا سكتُّ عنه ونفدت مسائلي ابتدأني فما نزلت على رسول الله (صلى الله عليه وآله) آية من القرآن إلا أقرأنيها وأملاها عليّ وكتبتها بخطّي فدعا الله أن يفهمني ويعطيني، فما نزلت آية من كتاب الله إلا حفظتها وعلمني تأويلها.
وما تركت شيئاً من حلال ولا حرام إلا وقد حفظته وعلمني تأويله، لم أنس منه حرفاً واحداً منذ وضع يده (صلى الله عليه وآله) على صدري فدعا الله أن يملأ قلبي فهماً وعلماً وحكماً ونوراً)(9).
وفي تفسير قوله تعالى: (ورتّل القرآن ترتيلاً) روي عن أمير المؤمنين (عليه السلام) في معناه أنه قال: بيّنْه تبياناً، ولا تهذَّه هذّ الشعر ولا تنثره نثر الرمل، ولكن أقرع به القلوب القاسية، ولا يكونن همّ أحدكم آخر السورة(10).

   

المصدر: http://www.sibtayn.com/ar   

_________________________
1- كتاب اليقين: ص 12 مخطوط.
2- كفاية الطالب بمناقب علي بن أبي طالب: ص 47.
3- زين الفتى في تفسير سورة هل أتى ص 251 ص 252 مخطوط.
4- شرح نهج البلاغة طبع مصر: ج 1 ص 6.
5- تحفة المحبين بمناقب الخلفاء الراشدين ص 185 مخطوط.
6- نظم درر السمطين: ص 128.
7- ترجمة الإمام علي بن أبي طالب (عليه السلام) من تاريخ مدينة دمشق: ج 3، ص 20 رقم 1034 وص 22 رقم 1040.
8- ترجمة الإمام علي بن أبي طالب (عليه السلام) من تاريخ مدينة دمشق: ج 3 ص 20 رقم 1034 وص 22 رقم 1040.
9- المعيار والموازنة: ص 298.
10- البحار الجزء: 19.

   

logo test

اتصل بنا