معطيات الغيبة المهدوية (المعطيات المعنوية في قضية الإمام المهدي(عليه السلام) )

flower 12

و إلى جانب ذلك كلّه يمكن أن نجد الاُمور المعنوية التالية في هذه القضية المركزية في بناء الجماعة الصالحة: 
1 ـ الشعور الفاعل والواضح بالواجب 
يتحقق الوضوح في الإحساس بالواجب الإلهي والتكليف الشرعي عند القيام بمختلف النشاطات الإسلامية والدينية، حين يشعر الانسان المؤمن بالإمام المهدي(عليه السلام)ووجوده أنه يؤدّي أعماله وخدمته، ويمارس جهاده وتضحياته تحت رايته الشريفة ورعايته الخاصة. 
ويعطي هذا الوضوح زخماً معنوياً كبيراً للتحرّك والعمل، يشبه الزخم المعنوي الذي كان يحصل عليه اُولئك المجاهدون الذين كانوا يقاتلون تحت راية الأنبياء والمرسلين، والذين تمكّنوا أن يحققوا الانتصارات الكبرى، وعملية التغيير الواسعة في المجتمع الانساني، اِذ كلّما ازداد الشعور بالقرب من الحقيقة الربانية والرعاية الإلهية والقوة الحقيقية المتمثلة باللّه تعالى، كان شعور الانسان بتحقيق النصر وأداء الواجب أكبر، ولا شكّ أنّ الاحساس برعاية الإمام المعصوم والانتساب إليه في الحركة والنشاط، يجعل الانسان يشعر بالقرب من اللّه ورعايته وامتثال أوامره بشكل أفضل. 
2 ـ الاحتفاظ بالمبادئ والقيم الربانية 
الاحتفاظ بالمبادئ والقيم والمثل الربانية في المسيرة، والسعي الدائم إلى تحقيق الكمال الانساني بعيداً عن مفاهيم الربح والخسارة الدنيوية والكسب المادّي، أو الوصول إلى القدرة والهيمنة. هو المعطى الآخر للايمان بالإمام المهدي(ع) ووجوده. 
فإن المسيرة التي تنتسب إلى الإمام المهدي(عج) الذي يقوم بهذا الدور العظيم في التأريخ الانساني ، وهو إقامة حكومة العدل الإلهي المطلق، سوف تستوحي منه ومن أهدافه ـ التي لابدّ أن تتحقق ـ كلّ هذه المعاني. وبذلك يحتفظ الانسان في مسيرته بهذه الروح المبدئية العالية، التي تتحرّك على أساس القيم والمثل الانسانية الرفيعة. 
3 ـ تقوية روح الصبر والمقاومة 
إن روح الصبر والثبات تتكامل في الانسان وبذلك يتكامل الانسان من خلال هذا الصبر والثبات، طوال مرحلة المعاناة والامتحان، لأن الإمام المهدي ـ بوجوده الشريف ـ يمثّل القدوة الرائعة العظيمة في الصبر والثبات، حيث إنه يشاهد كلّ هذه الآلام والمحن ويتعرّض لها في حياته، ويتفاعل معها بطبيعة الحال، ومع ذلك فهو صابر ممتحن في ذات اللّه، ومن أجل الأهداف العظيمة ينتظر الفرصة للقيام بدوره العظيم. 
4 ـ تكامل المسيرة البشرية 
إن جانباً من تفسير طول الغيبة بعد وجوده الشريف هو أن يتكامل وتتكامل المسيرة من خلال التجارب والمعاناة، بحيث يصبح مؤهّلاً للقيام بهذا الدور، وتصبح الأوضاع السياسية والاجتماعية والفكرية والنفسية للبشرية مؤهّلة لقيام مثل هذه الحكومة، بسبب هذه المعاناة والتجارب. 
وكلّ ذلك يعطي زخماً عظيماً وروحاً معنوية عالية في الصبر والثبات، والاستفادة منها في مسيرة التكامل الانساني. 
5 ـ الشعور بالمساهمة في تحقق حكومة 
العدل الإلهي 
يشعر الانسان المؤمن بفكرة الإمام المهدي المنتظر لإقامة حكومة العدل الإلهي بأنّ مجمل أعماله ونشاطاته هي مساهمة وأداء للدور التأريخي في التمهيد لقيام حكومة العدل الإلهي المطلق، التي يحققها الإمام المهدي(عليه السلام). 
فبدلاً من أن ينظر الانسان المؤمن إلى تقويم دوره وأعماله ونشاطاته من خلال الأهداف المنظورة في حياته الشخصية القصيرة، أو من خلال ما يمكن أن يحققه أو يتحقق من إصلاحات في المجتمع الانساني، وعندئذ قد يرى كلّ تلك الاعمال والنشاطات محدودة التأثير والأهداف فيزهد فيها، نرى أن الانسان المؤمن بفكرة الإمام المهدي (عليه السلام) إنما يقوم بدوره في سلسلة المراحل والأهداف والاعمال التي تنتهي إلى إقامة ذلك المجتمع الانساني الفاضل. 
وهذا بطبيعة الحال يمنح الانسان مستوىً عالياً من الروح المعنوية في التعامل مع نشاطاته وأعماله وتضحياته، حيث يصبح الهدف كبيراً وعظيماً يغطّي كلّ هذه النشاطات والاعمال والجهود والتضحيات مهما كانت كبيرة وصعبة. 
6 ـ الأمل الكبير والمستمر والمتنامي 
إن الأمل الكبير الذي لا يتوقف ولا ينطفئ عنصر مهم في تحقيق الانتصار مهما طال الأمد، والشعور بأن الشوط سوف يصل إلى نهايته، والتطلّع إلى المستقبل بشكل مستمرّ ودائم له تأثير بالغ في تحقيق الانتصار. 
ولا شكّ أن روح الأمل هي من أعظم المعنويات التي تمدّ الانسان بالقدرة على الاستمرار في الحركة والثبات والصبر والتضحية. 
فالجندي الذي يشعر بأن مسيرته سوف يكملها جنود آخرون يحققون النصر والفتح، يكون على استعداد للتضحية والفداء أكثر بكثير من ذلك الجندي الذي يشعر بأنه بمجرد أن يسقط قد تتوقف المسيرة ويخسر المعركة. 
وكذلك الجندي الذي يخوض المعركة ويشعر أن معارك اُخرى يمكن أن يخوضها لتحقيق النصر، لا يتوقف عندما يخسر المعركة الاولى، بل يستمر في الحركة. وهذا لا يتوفر إلاّ في اُولئك الذين يؤمنون بفكرة الإمام المهدي(عليه السلام) الذي يقود المعركة، وسوف يستمرّ في قيادتها حتى الوصول إلى نهايتها. وهذا مما يجعل الأمل حيّاً ومتوقّداً يدفع الانسان إلى الحركة والنشاط في كلّ الظروف. 
7 ـ الثأر للمبادئ والقيم 
الشعور والاحساس بأن جميع المظالم والآلام التي يتعرّض لها المؤمنون سوف يتمكّنون في النهاية من أخذ الثأر لها، والانتقام من اُولئك المجرمين الذين ارتكبوا كلّ هذه الجرائم والجنايات بحق البشرية هو شعور ينتجه هذا الانتظار. 
ومع قطع النظر عن الجانب الشخصي في عملية الثأر والانتقام هذه فإن هذا الثأر والانتقام يتحقق بالنسبة إلى اُولئك السائرين على خطّ أسلافهم من المجرمين، حيث يشكّلون اُمة واحدة في التفكير والسلوك والأهداف والمصير. 
وفكرة الانتقام والثأر ـ بالمعنى السليم لها الذي يعني الثأر للقيم والمبادئ والحق والعدل ـ هي فكرة صحيحة و إسلامية تحدّث عنها القرآن الكريم في أكثر من موضع مثل قوله تعالى: 
) قاتِلُوهُم يُعَذّبْهُمُ اللّهُ بأيْدِيكُمْ وَيُخْزِهِمْ وَيَنْصُرْكُمْ عَلَيْهِمْ وَيَشْفِ صُدورَ قَوْم مُؤمِنينَ ( [10] . 
كما تحدّثت النصوص عن ذلك عندما وصفت الإمام الحسين(عليه السلام) بأنه «ثار اللّه» [11] ، وأن الإمام المهدي يثأر للحسين(عليه السلام)، ويكون أحد شعاراته هو «يا لثارات الحسين» [12] ، وكذلك ما ورد في زيارته الشريفة من قوله: «واقرن ثأرنا بثأره». 
وهذا الاحساس والشعور يمثّل قوة معنوية كبيرة في داخل الانسان لأن اللّه تعالى أودع في الانسان هذا اللون من الاحساس، ولذلك ينزع إليه الانسان بشكل طبيعي في حياته ويمثّل أحد الدوافع لمسيرته وحركته ونشاطه. 
وقد اهتمّ الاسلام بتوجيه هذا الدافع والاحساس، لكي لا ينحرف فيتحول إلى مجرّد تعبير عن الغريزة دون أن يصب في مسيرة الكمال الانساني، فوضع الثأر والانتقام والتشفّي في طريق القيم والمبادئ ـ لا لمجرّد التعبير عن الاحساس والنزعة ـ شأنه في ذلك شأن بقية الأحاسيس والغرائز التي اهتم بها الاسلام، عاملاً محركاً باتجاه الكمال. 
ومن الواضح أن مسألة الثأر والانتقام في قضية الامام المهدي(عليه السلام) ليست انتقاماً وثأراً من الاشخاص، بل هي انتقام وثأر من الواقع الفاسد الذي كان يعيشه الانسان، وذلك بتغييره وتحويله إلى واقع العدل والحق والخير. 

   

المصدر: سایت السبطین

  
________________________________________________
( [10]) مفاتيح الجنان، زيارة وارث، وفيها: «السلام عليك يا ثار الله وابن ثاره...». 
( [11]) المجلسي، بحار الأنوار 44: 286. 
( [12]) سبأ: 13.

logo test

اتصل بنا