حرية البحث العلمي في الإسلام

flower 12

    

لا ريب في أن المدينة المنورة في عام 91 للهجرة ومدرسة الإمام الباقر (عليه السلام) بها كانتا تتمتعان بحرية لم تتمتع بها معظم المدارس والجامعات الأوروبية في القرون الوسطى، بل في القرنين الأول والثاني من عصر النهضة أيضاً(1).
وقد رأينا كيف أن جعفراً الصادق (عليه السلام) انتقد وفنّد نظرية بطليموس في دوران الشمس حول الأرض في يوم وليلة، بعدما وقعت في يده الكرة الأرضية التي جيء بها من مصر، في حين أن العلماء والباحثين في بداية عصر النهضة لم يتمكنوا من المجاهرة بالاعتراض على هذه النظرية.
وفي الوسع القول بأن المسلمين عامة كانوا أكثر حرية في دراسة المسائل العلمية ومناقشتها، حتى لو تعارضت مع مذهب أو رأي ديني، وحتى في أحلك فترات الحكم في التاريخ الإسلامي، كأيام بعض الخلفاء العباسيين، وأن الباحث المسلم كان أكثر حرية من الباحث الأوربي في الإتيان بالنظريات العلمية.
وأما الفترات العصبية التي مرت بالتاريخ الإسلامي في أيام بعض الخلفاء العباسيين، والتي حُجر فيها على البحث في بعض الموضوعات الفلسفية أو المذهبية، كالبحث مثلاً في موضوع خلق القرآن وهل هو قديم أم حادث، فقد كانت دواعيها هي خوف الخليفة من أن يفقد احترام الناس له ولمنزلته التي تقترب من القداسة، وبالتالي نفوذه وسلطانه.
ولو أن النقد الذي وجهه جعفر الصادق (عليه السلام) إلى نظرية بطليموس ساق مثله باحث في أوربا، لأصابه على أقل تقدير جزاء التكفير والطرد من المجتمع الديني. ولو أن باحثاً أبدى هذا الرأي في أوربا في القرن الثالث عشر الميلادي والقرن الذي بعده، لكانت عقباه الإعدام والإحراق بالنار، وقد نص القانون الصادر عن المجمع الديني المنعقد عام 1183 ميلادية في مدينة (ورون) على أن جزاء الخارج على الدين الإعدام بالمقصلة (La Guillotine) ثمَّ جاء البابا جورجيس التاسع، ووضع قواعد محاكم التفتيش العقائدية (Inquisition) في سنة 1233 للميلاد. ومنذ ذلك التاريخ، نفذت الأحكام الصادرة عن هذه المحاكم بإحراق كل من يدان بالاعتقاد بعقيدة تخالف المسيحية واعتباره خارجاً عن الدين.
وكانت لهذه المحاكم سلطة واسعة في التحري والتفتيش، حتى في حرم المدارس والجامعات، وكانت عقوباتها الصارمة في انتظار أي طالب يجرؤ على توجيه سؤال غير مألوف أو خارج عن قواعد ادين إلى الاستاذ، حتى ولو كان ذلك في قاعة الدرس وفي حرم الجامعة.
واستمرت هذه المحاكم تزاول نشاطها إلى سنة 1808 ميلادية عندما تولى نابليون الأول السلطة، كامبراطور لفرنسا، فأمر بحلها وإلغائها، ولكن هذا الإلغاء لم يستمر طويلاً، إذ أنها أعيدت. في اسبانيا اعتباراً من سنة 1814 ميلادية، وظلت تزاول نشاطها إلى ما بعد عام 1834 للميلاد.
وتكمن أسباب الجمود والتأخر وما يسمى بظلمة القرون الوسطى في أوربا في انعدام حرية الرأي والبحث، بينما تقدمت الحركة العلمية وتوسعت في العالم الإسلامي في هذه الفترة، فقد كان محظوراً على الباحث أو العالم الأوربي أن يدلي بأي رأي أو نظرية الكنائس المسيحية، وكانت العقوبة شديدة لم تسوّل له نفسه معارضة الآراء الدينية النصرانية، في حين أن الحرية في البحث وفي العكوف على نفس العلوم والنظريات العلمية(2)‎، وقبولها أو مناقشتها أو ردها، كانت سائدة في المجتمع الإسلامي في القرون الوسطى.
ومع أن اشعاعاً من العلوم والفنون الشرقية كان يصل إلى الغرب، إلا أن الجو الحاكم المهيمن على ذلك المجتمع كان غارقاً في ظلام حالك، ولم تتمكن علوم الشرق وثقافته من النفاذ إلى الوسط العلمي هناك، اللهم إلا بالنسبة لبعض فروعها كالطب والصيدلة.
فقد انتقلت إلى العرب أرجوزة ابن سينا في الطب، ووضعت لها ترجمة باللاتينية، وقل من لم يحفظ أو يقرأ الترجمة اللاتينية بهذا المرجع بين اطباء الغرب في تلك الفترة، أما علوم الهيئة والنجوم فلم يكن يسمح بنقلها إلى الغرب.

 

 المصدر:سایت السبطین
  _______________________________________
1 - عصر النهضة أو التجديد (Renaissance) عند الأوربيين هو عصر العلم والصنعة واكتشاف البخار، وهو يبدأ من سنة 1453 ميلادية أي من تاريخ سقوط القسطنطينية وفتحها على يدي السلطان محمد الفاتح. (المترجم).
2 - بما فيها تلك النظريات المخالفة للآراء الدينية والمذهبية.

logo test

اتصل بنا