متطلبات عصر الإمام الصادق (عليه السلام)

flower 12

    

بعد الوقوف على مظاهر الفساد والانحراف التي عمّت ميادين الحياة في عصر الإمام الصادق (عليه السلام) نستطيع ان ندرك عمق المأساة التي كان الإمام(عليه السلام) قد واكبها منذُ نشأته حتى هذا التاريخ .
وفي هذا الظرف الذي خفّت فيه المراقبة بسبب ضعف الدولة الاُموية ووجد الإمام (عليه السلام) إنّ جانباً كبيراً من الاسلام قد أُقصي عن واقع الحياة وأن قيم الجاهلية قد عادت تظهر للوجود ، وأن الصيغ الغريبة عن الدين أخذت تدخل في فهم القرآن والسنة الشريفة وتسبّبت في تغيير مضمون الرسالة وجوهرها ، لاحظ أن الأمر أخذ يزداد تفاقماً في أواخر العهد الاُموي الذي نمت فيه مدارس فكرية وتيارات سياسية بعيدة عن الاسلام ، وكان يرى (عليه السلام) أن الأكثرية الساحقة من الاُمة قد ركنت الى الطمع بسبب ما شاهدته من صور الظلم والتعسف الذي قد ارتكب بحق كل من كان يعترض على سياسة الحكّام المنحرفين عن الدين. كل هذه الاُمور قد لاحظها الإمام(عليه السلام) بدقّة وبدأ يعالجها بكل أناة. لنقرأ معاً حوار سدير الصيرفي مع الإمام (عليه السلام) :
قال سدير الصيرفي : دخلت على ابي عبدالله (عليه السلام) فقلت له : والله ما يسعك القعود . فقال ولم يا سدير ؟ قلت : لكثرة مواليك وشيعتك وأنصارك ، والله لو كان لأمير المؤمنين (عليه السلام) مالك من الشيعة والأنصار والموالي ما طمع فيه تيم ولا عديّ.
فقال يا سدير : وكم عسى أن يكونوا ؟ قلت: مائة ألف . قال : مائة الف ! قلت: نعم، ومائتي ألف ؟ فقال: ومائتي ألف ؟ قلت: نعم، ونصف الدنيا . قال : فسكت عني ثم قال : يخفّ عليك أن تبلغ معنا الى ينبع [1]
؟ قلت : نعم. فأمر بحمار وبغل أن يسرجا، فبادرت ، فركبت الحمار فقال : يا سدير ، أترى ، أنزل بنا نصلي ، ثم قال : هذه أرض سبخة لا تجوز الصلاة فيها فسرنا حتى صرنا الى أرض حمراء ، ونظر الى غلام يرعى جداء [2]

فقال والله يا سدير لو كان لي شيعة بعدد هذه الجداء ما وسعني القعود . ونزلنا وصلّينا فلما فرغنا من الصلاة عطفت على الجداء، فعددتها فاذا هي سبعة عشر ! ) [3]

فالامام(عليه السلام) إزاء هذا الواقع المملوء بالفساد والضياع قد وجد أن الأمر أحوج ما يكون الى إيجاد تيّار اسلامي أصيل يحمل قيم الرسالة التي جاء بها الرسول (صلى الله عليه وآله وسلم) ، ولابدّ أيضاً أن يتم عزل الأمة عن الحكومات الظالمة لئلا تكون مرتعاً لمظالمها ، فعن طريق غرس القيم الاسلامية وايجاد تيار فاعل يساهم في اجتثاث المظالم او تقليلها يمكن التحرّك لاصلاح الواقع الفاسد حيث إنه قد يرغم الولاة على العدل استجابة لارادة قطاع كبير من الاُمة حينما يرفض هذا القطاع الكبير الاستبداد ويدعو الى العدل بوعي اسلامي عميق .
لقد تخلّى الإمام الصادق (عليه السلام) عن ممارسة العمل المسلح ضد الحكّام المنحرفين بشكل مباشر وكان موقفه هذا تعبيراً واقعياً عن اختلاف صيغ العمل السياسي التي تحددها الظروف الموضوعية وإدراكاً عميقاً لطبيعة العمل التغييري.
فالإمام (عليه السلام) حاول أن ينشر قيمه ومفاهيمه دعوته بعيداً عن التصريحات السياسية الثورية واتّجه نحو بناء تيار شعبي عامّ في الاُمة كما ركّز على بناء الجماعة الصالحة الممثلة لخط أهل البيت (عليهم السلام) والإشراف عليها وتنظيم أساليب عملها في مواجهة الانحراف المستشري بحيث يجعلها كتلة مترابطة في العمل والتغيير وإعداد أرضية صالحة تؤدي الى قلب الواقع الفاسد على المدى القريب أو البعيد.
وقد استهدف الإمام (عليه السلام) في نشاطه الرسالي لونين من الانحراف.
اللون الأول: الانحراف السياسي المتمثل في زعامة الدولة، واللون الثاني: الانحراف العقائدي والفكري والاخلاقي ثم الانحراف السياسي عند الاُمة.
كما إتّجه الإمام(عليه السلام) في حركته التغييرية الشاملة الى حقلين مهمين:
أحدهما: الانفتاح العام والشامل على طوائف الاُمة واتجاهاتها السياسية والفكرية.
ثانيهما: مواصلة بناء جامعة اهل ألبيت (عليهم السلام) العلمية .
وكلا الحقلين يعتبران من حقول النشاط العام هو :
وأما حقل النشاط الخاص بمحاوره المتعددة فيتلخّص في إكمال بناء الجماعة الصالحة.

 

  المصدر:سایت السبطین

___________________________________
[1]
يَنبع حصن له عيون ونخيل وزروع بطريق حاج مصر.
[2]
الجدي : من أولاد المعز .
[3]
الكافي : 2 / 242 ، وبحار الأنوار : 47/372 .

logo test

اتصل بنا