نظرية الصادق (عليه السلام) بشأن أشعة النجوم

flower 12

    

ذكرنا ـ في ما سبق ـ أنه لو قل أن يكون هناك موضوع علمي وليس للصادق (عليه السلام) رأي ذو وزن فيه.
وقد درسنا حتى الآن بعض النظريات التي طلع بها والتي تشهد له بأنه كان ذا عقلية علمية مرتبة، ولا تتوافر أمثال هذه العقليات إلا لأفذاذ العباقرة.
وللصادق كذلك نظرية تتعلق بضوء النجوم من مؤداها أن بين النجوم التي نراها في الليل ما هو أضخم من الشمس، وأن شمسنا تعتبر بالقياس إليها صغيرة الحجم ضئيلة الضياء.
واليوم، وبعد مضي اثني عشر قرنا ونصف القرن، أثبت العلم صحة نظرية الإمام الصادق (عليه السلام)، إذ تبين للعلماء أن هناك مجموعات من النجوم السواطع تتضأل تلقاء حجمها وضيائها الشمس نفسها.
ويطلق على هذه النجوم (المجرات) اسم (الكوزرز) الواحدة منها كوزار(1) Quasars، وبعضها يبعد عن الأرض بمقدار تسعة آلاف مليون (أي تسعة مليارات) سنة ضوئية. وما يصل إلى المراقب الفلكية اليوم من الأمواج الضوئية الصادرة عن هذه المجموعات يقطع المسافة الشاسعة بين هذه المجموعات وبيننا في تسعة آلاف مليون سنة ضوئية.
وهناك مراقب راديو تلسكوبية ضخمة ترصد هذه النجوم والأنوار الساطعة المنبعثة منها حتى في النهار، منها مرقب (آرسي بوئه) في جزيرة (بورتوريكو) والذي يبلغ قطره ثلاثمائة مترا.
ويساوي الضوء المنبعث من بعض هذه الكوازر ضوء الشمس عشرة آلاف مليار مرة، (أي10.000.000.000.000) وهو رقم ليس فيه خطأ أو شطط.
ووحدة قياس الضوء التي يستند إليها علماء الفلك في قياس ضوء النجوم هي ضوء الشمس، وللمرء أن يتصور الضخامة المتناهية لبعض المجموعات من الكوازر إذا كان ضؤوها يعادل ضوء الشمس عشرة آلاف مليار مرة، فينحط ضوء الشمس أمامها كضوء شمعة صغيرة.
ورغبة في رصد هذه المجرات الضوئية الضخمة التي اكتشفت المجرة الأولى منها في سنة 1963م (وهناك أكثر من مائتي مجرة قد اكتشفت حتى الآن) فكر العلماء في صنع مرقب فلكي سعة دائرته ثلاثون ألف متر (ثلاثون كيلو مترا).
وبالنظر إلى استحالة صنع مرقب (راديو تلسكوب) له هذه السعة، بدأ العلماء يفكرون في صنع مرقب كهربي له هوائيات قوية ترتفع على شكل حرف Y بحيث تكون المسافة بين كل رأس من رؤوس هذا الحرف واحدا وعشرين كيلو مترا. أما الهوائي فينتقل بين المحاور الثلاثة ويتم التحكم فيه إلكترونيا، ويبلغ طول الهوائيات الثلاثة 21 كيلو مترا، ولها قدرة على الرصد كما لو سعة المرصد ثلاثين ألف مترا، ويتم توجيه هذا الجهاز إلى الكوازر لمشاهدتها بمزيد من الدقة.
وقد اعتاد الفلكيون منذ القرن الثامن عشر الميلادي على اكتشاف كتل ضوئية في السماء، وكانت المسافة السحيقة التي تفصل هذه الأجرام المضيئة عنا من الأمور المألوفة التي لا تثير دهشة العلماء آنذاك.
ولكن، لما رأى علماء الفلك مجموعة الكوازر البعيدة في عام 1963م مستعينين بمرقب (راديو تلسكوب) آرسي بوئه في بورتوريكو، استولت عليهم الدهشة لأنها تبعد عنا بمقدار 9مليارات سنة ضوئية، في حين أن العالم اينشتين كان يعتقد بأن قطر العالم ثلاثة مليارات سنة ضوئية.
ولكي تستطيع الأذهان إدراك مدى ضخامة هذه المسافة الشاسعة، نذكر أن الضوء يحتاج إلى سنة كاملة لكي يقطع بسرعته الفائقة مسافة 9500 مليار كيلو متر. فإن أردنا أن نعرف مقدار المسافة الحقيقية بين مجرات الكوازر والأرض، ضربنا 9500 مليار سنة في 9500 مليار كيلو متر.
وبغض النظر عن ضخامة هذه المسافة التي يتعذر على العقل تصورها، فإن مما يزيد في حيرة علماء الفلك أن مجرات الكوازر تطلق ضوءا ساطعا يساوي ضوء الشمس 10 آلاف مليار مرة، وحتى الآن لم يكتشف العلماء كنه هذه الكوازر والعناصر التي تتركب منها والتي تمكنها من توليد كل هذه الحرارة والطاقة العجيبة.
ويقول البروفسير آلفون الذي مر ذكره إن المصدر الوحيد في الكون الذي يمكنه توليد مثل هذه الطاقة هو المادة إذ تنفجر بعد اصطدامها بمضادها، ولو نجح علماء الذرة في الاتحاد السوفييتي مثلا في تفجير عنصر الهليوم بعد اصطدامه بمضاد الهليوم، لاهتدى العالم إلى مصدر للطاقة لا نفاذ له، ولهان على العلماء معرفة سر الحرارة والطاقة المنبعثة من مجرات الكوازر.
ومع انقضاء 29 عاماً(2) على التفجير النووي الأول الذي تم في الولايات المتحدة الأميريكية، لم يستطع علماء الذرة تفجير نوى ذرات العناصر والأجرام الأخرى، ما عدا اليورانيوم والبلوتونيوم (والبلوتونيوم يستخرج من اليورانيوم)، فهم لم يستطيعوا تفجير نواة ذرة الهيدروجين، أما الطاقة التي أمكن توليدها من الهيدروجين، فقد ولدت لا من شطر نواة ذرته كما هو الحال في اليورانيوم والبلوتونيوم، بل من ادغام عناصرها بعضها ببعض.
وإذا كان العلماء الذريون قد توصلوا إلى كشف مضاد الهليوم، فإنهم لم يوفقوا حتى الآن إلى كشف مضاد لعناصر أخرى كالأوكسجين أو الأزوت (النتروجين) مثلا.
ومعروف أن الحديد هو من العناصر المتوافرة في كل مكان، ولكن علماء الذرة لم ينجحوا حتى الآن في أحداث تفجير نووي في ذرات الحديد، مع أن نظرية تفجير نواة الذرة التي قد طبقت بنجاح على اليورانيوم والبلوتونيوم مفروض أنها تنطبق كذلك على الحديد والنحاس والرصاص والزنك (الخالصين) وغيرهما من العناصر، لأن تركيب ذرات هذه العناصر شبيه من حيث قابليته للشطر بتركيب ذرات اليورانيوم، ومع ذلك لم تستطيع الدول الحائزة للطاقة الذرية إحداث التفجير حتى الآن.
ثم إن المرقب الفلكي (الراديو تلسكوب) لم يرصد أشعة النجوم وحدها، وإنما رصد كذلك الجزيئات المتناثرة في الفضاء الرحيب حتى بلغت الأنواع التي كشفت منها حتى الآن أكثر من ثلاثين جزيئا. وتتكون الأحماض الأمينية أو البروتينية من قسم من هذه الجزيئات، بمعنى أن عناصر خلايا الكائن الحي موجودة في الجزيئات المتناثرة في الفضاء.
ويؤخذ من وجود هذه الجزيئات في الفضاء أن وجود الإنسان على الكرة الأرضية لم يكن أمرا عارضا، وإنما هو مرتبط بالوجود الشامل العام.
ويسوغ لنا اليوم أن نقول باطمئنان وثقة إن الأرض كانت في بادئ الأمر عارية من كل أثر للحياة لأنها كانت جرما منصهرا ذا حرارة شديدة تستحيل معها الحياة، فلما مالت الأرض إلى البرودة، انتقلت إليها الجراثيم الحيوية المبعثرة في الفضاء اللامتناهي، وأوجدت الخلية الحية، وخاصة الجزيئات الخمسة التي أطلقت عليها أسماء (أوراسيل، كوآنين، أوهنين، سيتورين) وهذه بدورها أوجدت الأحماض الأمينية والبروتينية في الأرض، ومن جملتها الخلايا الحية للحيوان والإنسان. ويعزى الفضل في هذا الكشف العلمي الضخم إلى المراقب الفلكية (الراديو تلسكوب).
وإلى وقت قريب، كانت المراقب الفلكية ترصد النجوم، وتقف من حلال طيفها على العناصر المكونة لها، وتستنتج درجة حرارة كل نجم، ولكنها لم تكن قادرة على رصد الجزيئات الموجودة في الفضاء، ولكن الراديو تلسكوب الفلكي قد نجح في كشف هذه الجزيئات التي فيها جرثومة الحياة، فكان هذا إنجازا كبيرا منه.
وإذا كانت الحياة قد وجدت على الكرة الأرضية لا بمحض الصدفة، ولا باعتبارها أمرا عارضا، ففي الوسع القول بأن هناك حياة وكائنات تعيش في الكواكب الأخرى الشبيهة بالكرة الأرضية، ولعلها سبقت الكرة الأرضية في نشأة الحياة عليها بآلاف الملايين من السنين، لأن هذه الكواكب سبقت الكرة الأرضية إلى الوجود بآلاف الملايين من السنين.
ولا يستبعد أن تكون الكائنات الحية التي تعيش في هذه الكواكب قد نجحت من آلاف السنين في حل المشكلات المعقدة التي ما زالت تنوء بالبشر، وإن كان القدم لا يعد في حد ذاته مقياسا للكفاءة والعلم. وهناك اعتقاد بأن البشر عاشوا على الكرة الأرضية قرابة مليوني سنة، ولكنهم لم ينطلقوا في النشاط العلمي إلا من عشرة آلاف أو خمسة عشر ألف سنة.
ويقول العلماء في يومنا الحاضر إن البشر ليسوا الكائنات الوحيدة في هذا الكون، لأن هناك كائنات حية تعيش في ملايين من السيارات الأخرى، وربما كانت أكبر ذكاء وأنبه عقلا وأنشط عملا من الكائنات البشرية. وسيظل الأمل يداعب الإنسان في إمكان تحقيق اتصال بهذه الكائنات ذات يوم والاستفادة مما يكون لديها من علوم وتجارب. وخير وسيلة متاحة الآن لتحقيق هذا الاتصال هي الأجهزة الراديو تلسكوبية الشديدة الحساسية.
ونعود إلى الإمام الصادق (عليه السلام) وإلى نظريته القائلة إن لبعض النجوم ضوءا هو من الشدة بحيث يتضاءل أمامه ضوء الشمس. وها هو العلم الحديث قد برهن على صدق نظرية الإمام الصادق (عليه السلام)، ودلل على أن لبعض النجوم من الأشعة ما تضؤل أمامه الشمس وأشعتها، أفلا يستخلص من ذلك أن الإمام الصادق (عليه السلام) الذي عاش في النصف الأول من القرن الثاني الهجري كان عبقريا في المباحث العلمية؟
وثمة سؤال قد يعن للباحث هو: أين مجرات (الكوازر) التي يبعد بعضها عن الكرة الأرضية بمسافة 9 آلاف مليون سنة ضوئية؟ هل تقع في مركز الكون أو في أوله أو في نهايته؟
ثم لنتأمل في قرص الشمس الذي يقوم كل أربع وعشرين ساعة بتحويل أربعمائة مليار طن من الهيدروجين إلى الهليوم لنشر الضياء والدفء في الكرة الأرضية والسيارات الأخرى التي تدور حولها، والذي لن يتوقف عن نشر الضياء والدفء إلى 10مليارات من السنين الأخرى. أليس عجيبا أن تكون هذه الشمس ضئيلة أمام مجرات (الكوازر) الساطعة الضوء؟
فإن كان لشمسنا هذا المقدار الهائل من الطاقة والقدرة، وإن كان ينتظرها عمر ممتد هذا مقداره، فكم يكون عمر مجرات الكوازر التي تبعد عن الكرة الأرضية مسافة 9آلاف مليون سنة ضوئية؟ أغلب الظن أن عمرها يزيد عن ألف مليار سنة.
وما دامت في العالم شموس أخرى كمنظومتنا الشمسية، فمن مؤدى ذلك القول عقلا بأننا لا نعيش في عالم واحد، وإنما هناك عوالم كثيرة يتألف من مجموعها الكون الأكبر.
وقد ثبت لعلماء الفلك أن بعض النجوم ينطفئ ضوؤه وتنتهي حياته، حتى ولو لم يستطع الفلكيون حصر هذه النجوم. وثبت لهم أيضا أن للأجرام السماوية و المنظومات الشمسية أعمارا، وأن عمر بعضها يزيد على 15 مليار سنة، وأن الشمس مثلا ما زال باقيا في عمرها 10 مليارات سنة، وأن مجرات الكوازر عمرها ألف مليار سنة أو أكثر، وهذا كله يقطع بأن هناك عوالم كثيرة أخرى في هذا الكون.
وقد سبق للإمام الصادق (عليه السلام) أن قال إن الكون لا ينحصر في عالمنا وحده، وإنما هناك عوالم أخرى، وها قد جاء العلم الحديث مبرهنا على هذه النظرية، وأقام الأدلة على أن هناك آلفا من العوالم والمنظومات الشمسية الشبيهة بعالمنا ومنظومتنا الشمسية، وأنها تفنى وتزول ما عدا مجرات الكوازر، فهي باقية على الدوام.
وقد قسم الإمام الصادق (عليه السلام) العلم إلى قسمين هما: العالم الأكبر والعالم الأصغر، ومعروف أن هناك عالم أوسط لم يذكرها الصادق (عليه السلام) اعتقادا منه بأن ذلك من نوافل القول. فالأمر كله نسبي، وفي الوسع اعتبار هذه العوالم الوسطى عوالم كبرى أو صغرى، وكل عالم يعتبر أكبر بالقياس إلى العوالم الأصغر منه، أو يعتبر أصغر بالقياس إلى العوالم التي تكبره. فتقسيم الصادق هو إذن تقسيم شامل لعوالم الكون كلها.
وعندما سئل الصادق (عليه السلام) عن عدد العوالم في كل قسم، قال إنها كثيرة، ولا يعلم ذلك إلا الله، وهي حقيقة أثبتها العلم الحديث. فالذي لا ريب فيه أن هناك أعدادا كبيرة من المنظومات الشمسية والنجوم والنيازك والمجرات في الكون، وهي تعز على الحصر ولا يعبر عنها بأرقام حتى ولو كانت أرقاما فلكية.
ويقول العالم اليوناني أرشميدس الذي عاش قبل الميلاد بثلاثة قرون أن عدد الذرات المبعثرة في العام هو عشرة مضروبة في نفسها 63 مرة وإن الذرة هي أصغر أجزاء المادة ولا تقبل التجزئة، ولهذا سميت بالجزء الذي لا يتجزأ.
وفي مطلع القرن العشرين جاء إدنجتون (العالم الفيزيائي البريطاني المتوفى سنة 1944م) فقال إن مجموع الذرات في العالم 10 مضروبة في نفسها 80 مرة.
وعندما طلع ادنجتون بهذه المعادلة الرياضية لحساب عدد الذرات، كان العلماء الفلك يعتقدون أن عدد الأجرام الضوئية والنيازك والشهب في السماء يصل إلى مليون.
وعندئذ لم يكن مرصد (بالومر) الأمريكي قد شيد بعد، وهو المرصد الذي قرب ضوء المجرات بمقدار ألفي سنة ضوئية، فأصبحت رؤيتها بالعين البشرية ممكنة، ولا كانت المراقب الراديو تلسكوبية الشديدة الحساسية قد اخترعت.
ولو أن العمر امتد بادنجتون إلى يومنا هذا، ورأى بأم عينه المجرات الضوئية والكوازر، لأعاد النظر قطعا في معادلته بأرقامها الشديدة التواضع.
والكون الذي عرفه علماء الفلك والفيزياء في عام 1900م يعتبر صغيرا، بل ضئيلا بالنسبة للكون الذي يعرفه علماء اليوم. وليس من المبالغة في شئ القول بأن الكون في عام 1900 كان بمثابة فنجان ماء بالنسبة لمحيطات المياه التي عرفناها عن الكون في يومنا هذا.
وبعد كشف المجرات الضخمة المسماة بالكوازر، ظهرت نظرية أخرى مؤداها أن هذه الكوازر تمثل التخوم الخارجية للكون، وأن عالمنا هذا الذي يحتاج إلى 9آلاف مليون سنة ضوئية ليصل إلى الكوازر هو البداية لفضاء أوسع تعجز الأجهزة الراديو تلسكوبية المتاحة لنا عن الوصول إليه، فلا قبل لها باستقبال أشعة النجوم أو العناصر الموجودة في ما وراء الكوازر. وإلى هذا اليوم، لم يتسن لنا رصد المجرات التي تلي الكوازر في موقعها منا.
وبناء على هذه النظرية، فهناك ما مجموعة مائة ألف مليون من الأجسام الضوئية والمجرات والشهب، ولكل منها عشرات الآلاف من ملايين الشموس، وهذه جميعا ترسل أشعتها إلى المراقب الكهربائية ذوات العدسات الكاسرة والمرايا العاكسة.
وليست هذه الأجرام من عالمنا الحقيقي، لأن حدود عالمها يبدأ من مجرات الكوازر وما وراءها، وطبيعي إذن أن يكون ضوء مجرات الكوازر مساويا لضوء الشمس عشرة آلاف مليار مرة.
وحتى يستطاع توليد كمية الضوء والأشعة التي تنبعث من الشمس كل أربع وعشرين ساعة، فلا بد من توافر مائة مليار طن من الهيدروجين المركز أو المجزأ. فما هي يا ترى كمية الهيدروجين المجزأ والمركز التي تحتاج إليها مجرات الكوازر كل أربع وعشرين ساعة لكي تولد هذا المقدار الأسطوري من الضوء؟ وكم يكون مقدار الأشعة التي تصدر عن اصطدام النقيضين: المادة ومضاد المادة؟
ونستطيع بحسبة بسيطة أن نصل إلى الأرقام الفلكية التالية: فإذا ضربنا أربعمائة مليار طن في عشرة آلاف مليار، كان حاصل الضرب رقم 4 وأمامه 27 صفرا، وهو رقم لا يمكن لفظه أو عده بسهولة.
فإذا كانت مجرات الكوازر تولد من الطاقة المشعة عشرة آلاف مليار ضعف لما تولده الشمس في كل أربع وعشرين ساعة، جاز إذن اعتبارها مركز العالم، وحق أن يقال إن العالم يبدأ من هذا المركز. ولكن لأن علماء الفلك والفيزياء لا يستطيعون رصد المجرات التي تقع خلف الكوازر بأجهزة الراديو ـ تلسكوب المتاحة حاليا، فلا سبيل إلى إحصاء عدد المجرات أو المجموعات الشمسية الموجودة في العالم، ناهيك بالمجرات والأجسام المبعثرة في جميع العوالم المحيطة بنا. ومن هنا تتضح صعوبة المحاولات التي قام بها العالمان أرشميدس وادنجتون لإحصاء الأجرام، كما تتضح خطورة الاعتماد على هذه الإحصائيات.
وهذا يؤكد ما قاله الإمام الصادق (عليه السلام) من أم العوالم الصغيرة والكبيرة لا يعرف عددها إلا الله، والفرق بين العالم الكبير والصغير عند الصادق هو (فرق في الحجم لا في الكتلة)، وهذه أيضا نظرية أثبتها علم الفيزياء الحديث.
وقد مر بنا أننا لو ملأنا الفضاء الخالي الموجود بين الإلكترونات ونواة الذرة، لكان حجم الكرة الأرضية مساويا لحجم بالونة اللعب، أما وزن هذه البالونة فيساوي وزن الكرة الأرضية، وقد ضربنا المثل بالبالونة لقربها إلى الأذهان، وربما كان الحجم أصغر حتى من البالونة. ولا بد من التذكير بأن الكرة الأرضية موجودة في الفضاء في حالة عدم وزن بفعل الجاذبية، بل ليس من المبالغة في شئ القول بأن وزن الكرة الأرضية في الفضاء مماثل لوزن ريشة النعام. وهذا القول ينطبق لا على الكرة الأرضية وحدها، بل على جميع السيارات التي تدور حول الشمس، وجميع الأجرام الأخرى التي يدور بعضها حول البعض الآخر في الفضاء الفسيح، فقانون الجاذبية يجعل هذه الأجرام جميعا في حالة عدم الوزن.
وتذهب نظرية الصادق (عليه السلام) إلى أن لكل ما في العالم الأصغر شبيها في العالم الأكبر، ولكن على ضخامة في الحجم وسعة، وأن لكل ما في العالم الأكبر شبيها في العالم الأصغر، ولكن على قلة في الحجم، ومن هنا يستطاع تحويل العالم الأصغر إلى العالم كبير، والعالم الأكبر إلى عالم صغير.
ونحن حين نستمع إلى مثل هذا الكلام منقولا من ملفات القرون الماضية، نحس وكأننا نصغي إلى حديث عالم فيزيائي في عصرنا الحاضر، أو كأننا نقرأ كتابا في علم الفيزياء الحديث، مع أن هذه النظريات سيقت قبل اثني عشر قرنا ونصف قرن.
ولقد سئل الصادق (عليه السلام): متى خلق العالم؟
فكان رده: إن العالم خلقه الله، ولا سبيل إلى تحديد زمانه أو وقته.
ولأن الشيعة تعتقد بإعجاز الأئمة، فهي تؤمن بأن إمامها الصادق (عليه السلام) لو أراد أن يميط اللثام عن هذه الحقيقة، لكشف السر بفضل علم الإمامة(3)، وهو العلم المطلق بالمفهوم الأوسع، كما سبق أن أوضحنا.
وتعلل الشيعة امتناع الصادق (عليه السلام) عن كشف أسرار الخليقة وغيرها من الأسرار المجهولة، بأنه لم ير في ذلك مصلحة للناس، أما البعض الآخر فيقول إن الصادق (عليه السلام) لم يبخل بعلمه على الناس، ولكن هذه الموضوعات تخرج عن نطاق علم الإمام، لأنها من علم الله، وهو يستأثر بها دون العباد جميعا، بما فيهم الإمام الصادق نفسه.
وللإمام الصادق (عليه السلام) نظرية علمية هامة أخرى، هي نظرية (انقباض العالم وامتداده) فهو يقول إن العوالم الموجودة لا تبقى على حال دائم من الأحوال، فهي تتسع تارة وتنقبض أخرى. وفي بادئ الأمر، اعتبر علماء الفلك هذه النظرية كغيرها من نظريات الصادق (عليه السلام)، ضربا من الخيال غير الواقعي، فلما وافى القرن الثامن عشر الميلادي، أقيمت المراصد ونصبت المراقب الفلكية الضخمة، وشاهد العلماء أجرام المنظومة الشمسية بل وسواها من الأجرام خارج المنظومة الشمسية. وجاء من بعده القرن التاسع عشر الذي تمكن العلماء في منتصفه من رصد أشعة النجوم ومعرفة العناصر التي تتألف منها الأجرام، ثم جاء القرن العشرون وتحقق في مطلعه أن الأجسام الضوئية القريبة من منظومتنا الشمسية يمكن رصدها بمزيد من الدقة، وإنها تبتعد عنا ثم تنتشر في الفضاء، وهو الكشف الذي توصل إليه الأب (إيه لمتر) الأستاذ اليسوعي في جامعة بروكسل البلجيكية والعلم الفلكي الكبير، والذي ضمنه تقريرا علميا أرسله إلى مراكز الرصد الأخرى طالبا من الفلكيين مساعدته في تعزيز هذا الكشف أو تصحيحه، فأكدته بعض المراصد الأوروبية والأمريكية وقالت إن بعض المجرات والأجسام الضوئية القريبة من الشمس تبتعد عنها وتنتشر في الفضاء.
ولكن قبل أن يتوصل (إيه لمتر) وزميله البريطاني (ادنجتون) إلى نظرية محققة، قامت الحرب العالمية الثانية، وتقطعت أسباب الاتصال بين المراكز العلمية وشعوب العالم، فتعثر البحث في موضوع المجرات والأجسام الضوئية إلى عام 1960م عندما تأكد أن المجرات والأجسام الضوئية المحيطة بالمنظومة الشمسية تتحرك وتنأى عنها.
وما زال البحث جاريا لمعرفة الحال بالنسبة للمجرات والأجسام الأخرى، كمجموعات الكوازر وهل تتحرك بدورها وتبتعد عن مدارها أم لا، وتعزى صعوبة التوصل إلى نتائج قاطعة في هذا الشأن إلى أن هناك مسافات ضوئية شاسعة تفصلنا عن هذه المجرات فأي تغير يحدث في الكوازر من حيث انعدام أشعتها أو غيابها، إنما يصل خبره إلى الكرة الأرضية بعد 9آلاف مليون سنة ضوئية، وهي المسافة التي تفصل عالمنا عن هذه الكوازر، كما سبق القول.
ولكن الأمر الذي تحقق منه العلم الحديث هو أن الكتل الضوئية المحبطة بمنظومتنا الشمسية يتمدد ويتسع، وإن كنا لا نعرف بعد منذ متى بدأ هذا التمدد والاتساع بسبب ابتعاد الأجسام الضوئية عن منظومتنا الشمسية.
وقد أكد العالم الفلكي (إيه لمتر) المذكور آنفا من رصد للأجسام والمجرات الضوئية أكد حدوث هذا الاتساع والتمدد، كما أكدته الأبحاث التي أجريت عن مقدار ابتعاد هذه الأجسام عن منظومتنا الشمسية إلى يومنا هذا. وكل هذه المعلومات تتعلق بالطبع بالمجرات والأجسام الضوئية المحيطة بمنظومتنا الشمسية والتي تصل أشعتها إلى أجهزة مراصدنا، ولكن ليس لدينا أي معلومات دقيقة عن المجرات والأجسام الضوئية الأخرى التي تحيط بغيرها من المنظومات والتي يستعصي على أجهزتنا الحالية رصدها.
وقد سبق الحديث عن الأجسام المظلمة التي تمتص أشعة الضوء عند سقوطها عليها فتنقبض وتتقلص، وهذه تؤكد بدورها نظرية الإمام الصادق (عليه السلام) بشأن أطراف العوالم الأخرى(4).
ولكن الاتساع والانقباض يحدثان شيئا فشيئا، ويستغرقان زمنا مديدا جدا، ومعروف أن الأجسام المظلمة (كوتوله) هي أجسام تكونت بعد أن أخذت ذراتها تفقد إلكتروناتها شيئا فشيئا، ثم تراكمت النوى بكثافة وانقبضت مكونة هذه الأجسام.
ففي حين تتباعد الأجرام في جانب من العالم، تتقارب في جانب آخر مكونة هذه الكتل الكثيفة.
وتنتهي المادة إلى موت حقيقي عندما تصطدم بالأجسام المظلمة الكثيفة، وتفقد إلكتروناتها وتغدو جزءا منها فتنتهي حركتها، أي أن المادة تنتهي من حيث الظاهر عندما يحدث التقاء بينها وبين الأجسام المظلمة، وتبقى نواتها بعد اندماجها بغيرها مفتقرة إلى إلكتروناتها.
وتتراكم هذه الأجسام المظلمة وتتكاثف بدرجة تزيد بمئات آلاف المليارات عن المواد المتراكمة المعروفة لنا في الأرض.
وصفوة القول إن علمي الفيزياء والفلك المعاصرين يؤكدان نظرية الإمام الصادق (عليه السلام) المتعلقة بانقباض العوالم واتساعها (تمددها).

 

  المصدر:سایت السبطین

___________________________________________
1 - اختصرت لفظة الكوزار Quasars من عبارة إنجليزية طويلة هي Quasi Stellar redio
sources ومعناها مصادر راديوية شبيهة بالنجوم. (راجع كتاب (أوراق علمية) للدكتور فؤاد صروف ص359).
2 - عند صدور هذا الكتاب بالفرنسية
3 - ذكرنا في ما مر رأي الشيعة في الأئمة وعلمهم، وقد أورد الشيخ المفيد (قد) فصلا في كتابه (أوائل المقالات) حول هذا الموضوع سماه: القول في معرفة الأئمة بجميع الصنايع وسائر اللغات حاء فيه: أقول إنه ليس يمتنع ذلك منهم، ولا واجب من جهة العقل والقياس، وقد جاءت أخبار عمن يجب تصديقه بأن أئمة آل محمد(صلى الله عليه وآله وسلم) قد كانوا يعلمون ذلك، فإن ثبت وجب القطع به من جهتها أي من جهة هذه الأخبار على الثبات، ولي في القطع به منها أي من هذه الجهة نظر، والله الموفق للصواب، وعلى قولي هذا جماعة من الإمامية، وقد خالف بنو نوبخت رحمهم الله، وأوجبوا ذلك عقلا وقياسا، ووافقهم فيه المفوضة (المفوضة فرقة من غلاة الشيعة تفردت عن الشيعة بقولها في محمد (صلى الله عليه وآله وسلم) والأئمة من آل بيته (عليهم السلام) أن الله تفرد بخلقهم خاصة ثم فوض إليهم خلق العالم بما فيه، وجعل إليهم أمر الخلق والرزق وجميع الأفعال الواقعة في الكون.) وسائر الغلاة. (ص38 ـ (أوائل المقالات) ).
4 - ذكرنا في ما سبق أن الضوء يتألف من فوتونات (ضوئيات) مادية ناتجة عن تفاعل إلكترون سالب ببوزيترون موجب، فيتأثر بالتالي بالمجال المغناطيسي وينحرف فيه، كما أنه ينكسر وينحرف إذا ما انتقل من وسط إلى آخر، وإذا ما خرج من مجال غير مغناطيسي إلى مجال مغناطيسي. وقد استطاع علماء الفيزياء في أوائل هذا القرن إثبات أن للضوء ضغطا ووزنا، وأن له طبيعة ثنائية (جسمية موجية) في آن واحد. وهذه الحقائق العلمية أثبتتها الأرصاد الفلكية والتجارب الدقيقة التي أجريت في المختبرات الذرية والبصرية، فضوء النجم الذي يمر بالقرب من الشمس ينحرف بمقدار 1.74 ثالثة من قوس الدائرة. وقد سبق القول بأن هناك أنجما لها مجال مغناطيسي كبير بحيث تستطيع جعل شعاع الضوء ينحرف بمقدار 90درجة. فإذا مر الضوء بهذا المجال المغناطيسي اختفى، أي انجذب بفعل الجاذبية ولم يستطع الإفلات أو الانعكاس، ومن ثم يتابع سيره. ومعنى هذا أن هناك أنجما وكواكب لا قبل لنا برصدها، حتى ولو كانت قريبة منا، بسبب أن الضوء الذي نستطيع رؤيتها بواسطته، لا ينعكس منها متى سقط عليها، ولا ينفلت منها إذا مر إلى جانبها. ويقول العلماء إن هناك أجساما لها كثافة ضخمة تصل إلى 100 مليون طن في كل سنتيمتر مكعب ـ أي كثافة المادة النووية فيها ـ ومع ذلك تستحيل رؤيتها أو رصدها لأن هناك قوة جاذبية شديدة تمتص أشعة الضوء الساقطة عليها، فلا تنعكس إلى العين أو إلى أجهزة الرصد والقياس. فمن المعقول إذن أن تكون هناك شموس وكواكب ونجوم قريبة منا وفي متناول مراصدنا ومراقبنا الفلكية، ولكننا لا نراها ولا نشعر بها، لأن حجمها وكتلتها وكثافتها هي من النوع الحرج الذي يمتص الضوء ولا يعكسه. ولو فرضنا مثلا أن هناك نجما حجمه كحجم الشمس، أي 1.437×10أس18كيلو مترا مكعبا، أي 1.437مليار كيلو مكعب، وله كثافة تزيد 400.000 مرة عن كثافة الشمس، فإننا برغم هذا لا نستطيع رؤيته. (راجع (العلوم الطبيعية في القرآن) ليوسف مروة، ص195).

logo test

اتصل بنا