تأمّلات في حديث الإمام الصادق (ع) لعنوان البصري(قصّة عنوان البصري مع الإمام الصادق(عليه السلام))

flower 12

    

لا نجد ذكراً لـ (عنوان البصري) في كتب (الرجال) و (الجرح والتعديل)... ولا نعرف عن هذا الرجل إلاّ ما ورد في هذه الرواية.
فهو رجل في التسعينات من عمره (اربع وتسعون سنة) وهو عمر متقدم، دؤوب في تحصيل العلم، يحرص ألاّ يفوته حضور مجالس شيوخ العلم في عصره، وكان يعيش في المدينة وكانت المدينة المنورة يومئذ تحفل بالعلماء، وكان الإمام الصادق(عليه السلام) مقدماً على الجميع، أخذ عنه شيوخ العلم في عصره، ومنهم مالك بن أنس، وكان مالك مقدماً عند الاُمراء في المدينة، حتى كان والي المدينة يهابه، ويتهيّب أن يسعى الى بيته في حاجة، كما ورد في الرواية التي يرويها الشافعي في قصة طويلة يذكرها مترجموه.
وكان عنوان البصري يحرص ألاّ يفوته حضور مجالس شيوخ العلم في المدينة، وكان يأخذ عن مالك بن أنس، فلما أن قدم الإمام الصادق(عليه السلام) من العراق الى المدينة حضر عنوان مجلسه، فولع به، وانقطع اليه، وترك مجلس مالك،.. ونفهم من الحديث أن عنواناً أخذ يتردد على بيت الإمام الصادق(عليه السلام) ويكثر التردد على الإمام، وكان بيت الإمام يومئذ مراقباً من ناحية السلطة، إنّ الإمام الصادق(عليه السلام) كان ملتزماً أوراد وصلوات يحرص ألاّ تفوته في أوقاتها، ولذلك كان الإمام(عليه السلام) يخلو في بيته الى صلاته ودعائه وأذكاره التي يتلزم بها يومياً... فلما رأى أن عنواناً يتردد عليه في بيته ويشغله عن ورده وصلاته صارحه بذلك فقال له: «إنّي رجل مطلوب (يعني مراقب و مطلوب من قبل السلطة) ومع ذلك لي أوارد في كل ساعة من آناء الليل والنهار، فلا تشغلني عن وردي، وخذ عن مالك واختلف إليه كما كنت تختلف إليه».
فاغتم عنوان لجواب الإمام(عليه السلام) له، وغلبه الأسى والحزن، وقال: (ولو تفرّس فيّ خيراً لما زجرني عن الاختلاف إليه).
فدخل الروضة النبوية، وصلّى فيها، ودعا الله تعالى أن يعطف عليه قلب جعفر بن محمد(عليه السلام) وانقطع عن مجلس مالك، ولم يزل يدعو الله تعالى، حتى نفدَ صبره، فلبس ملابسه وتنعلّ وخرج قاصداً دار الإمام(عليه السلام) وكان ذلك بعدما صلّى العصر.
فطرق الباب على الإمام(عليه السلام) فخرج اليه حاجب الإمام يسأله حاجته، فقال: السلام على الشريف (الإمام الصادق)، فقال له الحاجب: انّه قائم في مصلاّه، يتنفّل، كعادته كل يوم فلم يغادر عنوان باب دار الإمام، وجلس بحذاء الباب، لما اُشرب قلبه من حب الإمام(عليه السلام)... فلم يلبث أن خرج الحاجب، واذن له.
فدخل على الإمام(عليه السلام) وسلّم عليه، فردّ عليه الإمام(عليه السلام) السلام. وقال له: اجلس غفر الله لك.
فجلس عنوان، وكان الإمام(عليه السلام) لا يزال في مصلاّه، فاطرق الإمام طويلاً، ثم رفع رأسه، وسأله عن كنيته، فقال له عنوان: (أبوعبدالله)، فدعا له الإمام(عليه السلام). وقال له: ثبّت الله كنيتك، ما مسألتك؟ فسرّه هذا الدعاء من الإمام، وقال لنفسه: لو لم يكن لي من زيارته والتسليم عليه غير هذا الدعاء لكان كثيراً.
فقال عنوان للإمام(عليه السلام): سألت الله أن يعطف قلبك عليّ ويرزقني من
علمك، وان الله تعالى أجابني في الشريف ما سألته.
وهذا كلام ملؤه عقل وحكمة. فقال له الإمام(عليه السلام): يا عبدالله: ليس العلم بالتعلم، إنّما هو نور يقع في قلب من يريد الله أن يهديه... وبقية الحديث نقرأه في النص الذي ذكرناه في مقدمة هذا المقال.
واليكم طائفة من التأملات حول هذا الحديث الشريف; وهو حديث جمّ الفوائد، فننتقي من فوائده قدر ما يسعه صدر هذا المقال، وأهم ما فيه: العلم والمعرفة.

 

  المصدر:سایت السبطین

logo test

اتصل بنا