نظرية إمامة أهل البيت(عليهم السلام)

flower 12
 
 

الآيات الكريمة التي ذكرت وتحدثت عن أهل البيت بأحد العناوين الذي ينطبق عليهم بصورة واضحة ، مثل عنوان (أهل البيت) ، أو (ذوي القربى) ، أو (الأبناء ، والنساء ، والأنفس) ، نظير آية التطهير وآية المباهلة وآية المودة وآيتي الأنفال والفيء ، كما ورد في القرآن الكريم . 
أو الآيات التي ترمز إلى أهل البيت(عليهم السلام)بالضمير والكناية ، مثل آيات سورة هل أتى (الإنسان) التي يفسر الضمير فيها بأهل البيت ، وآيتي الكلمات والأسماء التي ورد ذكرهما في قصة خلق الإنسان (آدم) في قوله تعالى : ( وَعَلَّمَ ءَادَمَ الاَْسْمآءَ كُلَّهَا ثُمَّ عَرَضَهُمْ عَلَى الْمَلائِكَةِ . . . )([6]) ، وقوله تعالى : ( فَتَلَقَّى ءَادَمُ مِنْ رَّبِّهِ كَلِمَات فَتَابَ عَلَيْهِ إِنَّهُ هُوَ التَّوَّابُ الرَّحِيمُ )([7]) ، حيث كنى القرآن الكريم عن أهل البيت(عليهم السلام)بالأسماء والكلمات ، كما تنص على ذلك بعض الروايات ، ويذهب إليه بعض العلماء والمفسرين . 
هذه الآيات في الموارد الست أو السبع ، تحدثت عن أهل البيت(ع) بعناوينهم الخاصة ، أو بالرمز إليهم . 
والجميل في هذه الآيات الكريمة هو أنَّ كل واحدة منها يتحدث عن بعد يرتبط بالنظرية يختلف عن البعد الآخر ، بحيث يعبر مجموع هذه الآيات عن مجموع أبعاد النظرية التي تحدثنا عنها في اختصاص الإمامة بأهل البيت(عليهم السلام)([8]) : 
1 ـ آية الإصطفاء التي نجد فيها الإشارة إلى أصل النظرية ، كما أشرنا إلى ذلك عند الحديث عن النظرية ، وهي قوله تعالى: 
( إِنَّ اللهَ اصْطَفَى ءَادَمَ وَنُوحاً وَءَالَ إِبْرَ هِيمَ وَءَالَ عِمْرَ نَ عَلَىالْعَالَمِينَ * ذُرِّيَّة بَعْضُهَا مِن بَعْض وَاللهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ )([9]) 
وهذه الآية الكريمة تمثّل مبدأ الإصطفاء للآل والأهل ، ومن ثم ينطبق هذا الإصطفاء على أهل البيت(عليهم السلام) ، ونجد تأكيد ذلك ـ أيضاً ـ في بعض الروايات التي تشير إلى هذا الموضوع في بعدين : 
الأول : هو تفسير آل إبراهيم بآل محمد(ص) باعتبار أنَّ آل رسول الله وأهل بيته(عليهم السلام)ينتمون إلى إسماعيل ، ومن ثم فهم ينتمون إلى إبراهيم(عليه السلام) ، كما ينتمي بنو إسرائيل ـ أيضاً ـ إلى إبراهيم ، ولكنَّ القرآن الكريم عندما يتحدث عن بني إسرائيل ذكرهم بعنوانهم في مواضع عديدة ، ولم يذكرهم بعنوان آل إبراهيم ، وأما هذه الآية الكريمة ، فقد ورد الحديث فيها عن اصطفاء آل إبراهيم ، وهو إما أن يكون كناية عن آل محمد بالخصوص ، بقرينة هذه الصيغة الجديدة ، أو حديثاً عن الإصطفاء الأعم والأشمل الذي يشمل آل إسماعيل وآل إسحاق . 
وإلا فإن القرآن الكريم ذكر بني إسرائيل وأثنى عليهم وفضلهم على العالمين ، بأن جعل منهم أنبياء وملوكاً ، فلو أرادهم بالخصوص لكان الحديث عنهم باستخدام عنوانهم الخاص ، فاستبدال عنوان بني إسرائيل بعنوان (آل إبراهيم) إما باعتبار الإختصاص بأهل البيت ، أو إدخال أهل البيت(عليهم السلام)في هذا العنوان . 
ويؤكد القرآن الكريم ذلك في موضع آخر في آية بناء البيت: 
( وَإِذْ يَرْفَعُ إِبْرَ هِيمُ الْقَوَاعِدَ مِنَ الْبَيْتِ وَإِسْمَـعِيلُ رَبَّنَا تَقَبَّلْ مِنَّآ إِنَّكَ أَنْتَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ * رَبَّنَا وَاجْعَلْنَا مُسْلِمَيْنِ لَكَ وَمِن ذُرِّيَّتِنَا أُمَّةً مُسْلِمَةً لَكَ وَأَرِنَا مَنَاسِكَنَا وَتُبْ عَلَيْنَآ إِنَّكَ أَنْتَ التَّوَّابُ الرَّحِيمُ * رَبَّنَا وَابْعَثْ فِيهِمْ رَسُولاً مِنْهُمْ يَتْلُواْ عَلَيْهِمْ ءَايَـتِكَ وَيُعَلِّمُهُمُ الْكِتَـبَ وَالْحِكْمَةَ وَيُزَكِّيهِمْ إِنَّكَ أَنْتَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ )([10]) . 
إذن ، فهذا النبي وأهل بيته هم ذرية إبراهيم وإسماعيل معاً بالخصوص ، وهم دعوة إبراهيم(عليه السلام) ، كما ذكرنا في عرض النظرية . 
إذن ، فآية الإصطفاء في الحقيقة تعبر عن بعد الاصطفاء في(النظرية) . 
الثاني : هو الذي تشير إليه بعض الروايات التي وردت عن أهل البيت(عليهم السلام)في تفسير الآية الكريمة على إضافة آل محمد(صلى الله عليه وآله)بعنوانهم الخاص([1]) ، وهذه الرواية وإن كنا لا نقبل بها على ظاهرها ، لأنها توهم النقصان في القرآن الكريم ، ولذلك لابد من تأويلها وتفسيرها على أساس التطبيق والتأويل([12]) . 
ولذلك يمكن أن نقول ـ بصورة إجمالية ـ : أنَّ هذه الروايات تشير إلى تطبيق هذه الآية على الإصطفاء في أهل البيت(عليهم السلام) ، إما عن طريق تفسير آل إبراهيم بآل محمد ، أو شمول آل إبراهيم لآل محمد(صلى الله عليه وآله) . 
2 ـ آية (التطهير) 
( . . . إِنَّمَا يُرِيدُ اللهُ لِيُذْهِبَ عَنكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَيُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيرًا )([13]) 
والتي تشير إلى بعد الطهارة والعصمة في أهل البيت(عليهم السلام) ، ونحن قد قلنا في الحديث عن ضرورة الإمامة وإنطباقها على أهل البيت إنَّ ذلك إنَّما هو في ضرورة الإمامة (المعصومة) ، لذا فنحن بحاجة إلى إثبات هذه الخصوصية عند الحديث عن الإمامة في أهل البيت ، وآية التطهير تثبت لنا هذه الخصوصية . 
والبحث في شرح استفادة العصمة من آية التطهير ، بحث واسع تناوله بعض العلماء بصورة مفصلّة في كتب التفسير ، كما ذكر ذلك العلامة الطباطبائي(قدس سره) . وفي أبحاث مستقلة ـ أحياناً ـ في مقام الاستدلال على العصمة بآية التطهير ، ويمكن الرجوع إلى هذه الأبحاث لإستفادة ذلك منها ، وقد ذكرنا في بداية البحث ، أنَّ الحديث عن موضوع الإمامة هنا هو حديث إجمالي ، نكتفي فيه ـ أحياناً ـ بالإشارة إلى مبادىء البحث ومصادره عندما يكون مستوفي في مواضع أُخرى . 
3 ـ (آية المباهلة) وهي التي وردت في مقام مباهلة نصارى نجران ، وقصتها معروفة ، وجاء الحديث فيها عن أهل البيت تحت عنوان 
(....أبناءنا وأبناءكم ونساءنا ونساءكم وأنفسنا وأنفسكم ثم نبتهل فنجعل لعنة الله على الكاذبين)([14]) 
وقد أعطى رسول الله(صلى الله عليه وآله)أهل البيت هذه العناوين (الابن والنساء والأنفس) منسوبة له ، وهذه العناوين هي أخص العناوين وألصقها وأقربها لأي بيت وإنسان . 
ويمكن أن ننتزع من هذه الآية الكريمة بُعداً آخر في هذه النظرية وهو بُعد الامتداد والإستمرار لرسول الله(صلى الله عليه وآله)ولدوره في أهل البيت(عليهم السلام) . 
فأهل البيت هنا ليسوا مجرد أفراد معصومين اصطفاهم الله تعالى من بين عباده ، وإنَّما لهؤلاء الناس دور مهم خاص ، يمثلون فيه الامتداد لرسول الله(صلى الله عليه وآله) لإنهم أبناء الرسول ونساؤه ونفسه ، عندما جاء رسول بأهل بيته دون غيرهم من أصحابه ، ويشير إلى ذلك حديث رسول الله(صلى الله عليه وآله)عن أهل بيته عند الخروج إلى المباهلة([15]) ، في مقام إثبات الرسالة والإحتجاج على النصارى وأهل الكتاب ، كما يدل على ذلك نص الآية : 
( فَمَنْ حَآجَّكَ فِيهِ مِن بَعْدِمَا جَآءَكَ مِنَ الْعِلْمِ فَقُلْ تَعَالَوْاْ نَدْعُ أَبْنَآءَنَا وَأَبْنَآءَكُمْ وَنِسَآءَنَا وَنِسَآءَكُمْ وَأَنْفُسَنَا وَأَنْفُسَكُمْ ثُمَّ نَبْتَهِل فَنَجْعَلْ لَعْنَةَ اللهِ عَلَى الْكَـذِبِينَ )([16]) . 
كما أنَّ سياق الآيات يؤكد ذلك ، مضافاً إلى ذلك تفاصيل القصة ، ومنها تسليم النصارى لهذه المباهلة وانسحابهم منها . 
ولعل السرَّ في مجيء الحديث في الآية عن أهل البيت(عليهم السلام)بهذا التسلسل ولم يقل أنفسنا وأنفسكم ، ونساءنا ونساءكم وأبناءنا وأبناءكم ، وإنَّما قدم الأبناء على النساء والأنفس باعتبار الإشارة إلى هذه الخصوصية ، فإن فيها الترقي من الأبناء ، لأنهم الامتداد الطبيعي للإنسان ، ثم إلى النساء باعتبارهن يمثلن عامل هذا الامتداد ، لأن الزهراء(عليها السلام)هي أم الأئمة الأطهار ، ثم الترقي بعد ذلك إلى الأنفس تأكيداً لهذا الإرتباط ، لأن المحور الرئيس في الحديث هو رسول الله(صلى الله عليه وآله) ، كما أنَّه محور النبوة والإمامة . 
4 ـ آية (المودة) 
( . . . قُل لاَّ أَسْـَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْراً إِلاَّ الْمَوَدَّةَ فِي الْقُرْبَى . . . )([17]) 
وهي تشير إلى بُعد آخر وهو بُعد تشخيص طبيعة العلاقة التي يجب أن تقوم بين أبناء الأُمة الإسلامية وأهل البيت(عليهم السلام) ، وهي تعبر عن طبيعة العلاقة مع الإمامة ، والتي هي امتداد للعلاقة مع الله تعالى ورسوله . 
وهذه العلاقة تشتمل على عناصر عديدة ، محورها المودة والحب والولاء لله ولرسوله ولأُولي الأمر وللمؤمنين ، حيث يلاحظ بأنَّ المودة في القرآن الكريم ذُكرت في مواضع عديدة وبعناوين مختلفة مثل الحب والولاء ، وقد وضعت في النظرية الإسلامية ـ كما ذكرنا في محاضرة مستقلة ـ خصوصية من الخصوصيات التي تشخّص جوهر العلاقة التي يجب أن تقوم بين المؤمنين وبين المحور الأول الذي يراد منه تحقيق الإرتباط به وهو الله تعالى ، ولذلك جعلت هذه المودة محوراً في علاقة المؤمن بالله تعالى ، فكان المؤمن أشدّ حباً لله من الكافر ، عندما يحب ربّه أو يحب من يعبده ، كما كان من الواجب على المؤمن أن يقدم حبه لله تعالى على حبه لجميع الأشياء ، وحتى أقرب الأشياء إليه ، كالآباء والأبناء والأخوان والأزواج والعشيرة والمساكن التي ترضونها والتجارة المربحة ، قال تعالى : 
( قُلْ إِن كَانَ ءَابَآؤُكُمْ وَأَبْنَآؤُكُمْ وَإِخْوَ نُكُمْ وَأَزْوَ جُكُمْ وَعَشِيرَتُكُمْ وَأَمْوَ لٌ اقْتَرَفْتُمُوهَا وَتِجَـرَةٌ تَخْشَوْنَ كَسَادَهَا وَمَسَـكِنُ تَرْضَوْنَهَآ أَحَبَّ إِلَيْكُم مِّنَ اللهِ وَرَسُولِهِ وَجِهَاد فِى سَبِيلِهِ فَتَرَبَّصُواْ حَتَّى يَأْتِىَ اللهُ بِأَمْرِهِ وَاللهُ لاَ يَهْدِى الْقَوْمَ الْفَـسِقِينَ )([18]) . 
كما أصبح الحب لله تعالى سبباً ودليلاً على الإتباع للرسول والشريعة ليتحول ذلك سببا لحب الله للإنسان نفسه : 
( قُلْ إِن كُنْتُمْ تُحِبُّونَ اللهَ فَاتَّبِعُونِى يُحْبِبْكُمُ اللهُ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَاللهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ )([19]) 
وهكذا عندما تحدثنا ـ في تلك المحاضرة([20]) ـ عن علاقة المؤمن بالله تعالى وهي علاقة الولاء أو علاقة المؤمن بالمؤمن التي هي ـ أيضاً ـ علاقة الولاء ، إنَّ جوهر هذه العلاقة هي المودة ، ولذلك ورد ـ أيضاً ـ في الحديث الشريف عن بريد بن معاوية العجلي قال : «كنت عند أبي جعفر(عليه السلام)إذ دخل عليه قادم من خراسان ماشياً فأخرج رجليه وقد تغلّفتا وقال : أما والله ما جاءني من حيث جئت إلاّ حبّكم أهل البيت ، فقال أبو جعفر(عليه السلام) : والله لو أحبنا حجر حشره الله معنا ، وهل الدين إلاّ الحبّ؟ إنَّ الله يقول : ( قُلْ إِن كُنْتُمْ تُحِبُّونَ اللهَ فَاتَّبِعُونِى يُحْبِبْكُمُ اللهُ ) ، وقال : ( يُحِبُّونَ مَنْ هَاجَرَ إِلَيْهِمْ ) هل الدين إلاّ الحب؟!»([21]) ، فحب أهل البيت دين وليس لمجرد ما يتصف به أهل البيت(عليهم السلام)من صفات تجعلهم موضع الحب للناس ، مثل العلم والفضل والجهاد والتقوى إلى غير ذلك مما يتصف به أهل البيت(عليهم السلام) ، فإن الإنسان يحب هذه المعاني ، فليس هذا الحب لهم هو عبارة عن مشاعر يستشعرها الإنسان في حبّه لكل فضل ولكل قيمة من العلم والجهاد والتقوى والطهارة والصلاح وما شابه ذلك مما يتمتع به أهل البيت(عليهم السلام) ، بل أنَّ حبهم دين يتدين به الإنسان؟ ولذا أكد الإمام(عليه السلام)في تعليقه على حب هذا المؤمن بقوله : (وهل الدين إلاّ الحب) ، يعني أنَّ الأصل هو الحب والمودة . 
فهذه الآية الكريمة : 
( . . . قُل لاَّ أَسْـَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْراً إِلاَّ الْمَوَدَّةَ فِى الْقُرْبَى . . . ) 
تتحدث عن تشخيص طبيعة العلاقة الدينية التي يجب أن تقوم بين المؤمنين وبين أهل البيت(عليهم السلام) ، فهي علاقة الحب ، ولكنَّه الحب الذي له بُعد ديني وعقائدي وهو ما يعبر عنه القرآن الكريم بالولاء ، وهذا بعد آخر في النظرية . 
5 ـ 6 هما آيتا الأنفال والخمس 
وهنا يوجد حديث واسع يذكره الفقهاء ، حول ما هو المقصود من (ذي القربى) في قوله تعالى : 
( وَاعْلَمُواْ أَنَّمَا غَنِمْتُم مِن شَىْء فَأَنَّ للهِ خُمُسَهُ وَلِلرَّسُولِ وَلِذِى الْقُرْبَى وَالْيَتَـمَى وَالْمَسَـكِينِ وَابْنِ السَّبِيلِ إِن كُنتُمْ ءَامَنتُم بِاللّهِ . . . )([22]) 
هل المقصود خصوص أهل البيت(عليهم السلام) ، أو المقصود منهم الأقربين للإنسان ، بمعنى رحمه وأقربائه ، وهكذا الحال في آية الفيء : 
( مَا أَفَآءَ اللهُ عَلَى رَسُولِهِ مِنْ أَهْلِ الْقُرَى فَللهِ وَلِلرَّسُولِ وَلِذِى الْقُرْبَى وَالْيَتَـمَى وَالْمَسَـكِينِ وَابْنِ السَّبِيلِ كَىْ لاَ يَكُونَ دُولَةً بَيْنَ الاَْغْنِيَآءِ مِنكُمْ وَمَآ ءَاتَـكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَمَا نَهَـكُمْ عَنْهُ فَانتَهُواْ وَاتَّقُواْ اللهَ إِنَّ اللهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ )([23]) 
فهل أنَّ المقصود من ذي القربى هنا أهل البيت(عليهم السلام)أو الأرحام ، فيكونوا أحد موارد الإنفاق ، كما هو الحال في المساكين مثلاً وابن السبيل ، وقد ثبت في ذلك البحث من خلال الشواهد والقرائن القرآنية ـ وليس من خلال الروايات التي وردت عن أهل البيت(عليهم السلام) ، أو وردت عن رسول الله(صلى الله عليه وآله)وطرق العامة فحسب ـ بإن المقصود من ذي القربى هم أهل البيت(عليهم السلام) ، فعنوان ذي القربى في هاتين الآيتين هم أهل البيت(عليهم السلام)([24]) . 
وقد يطرح هذا السؤال هنا وهو : كيف أصبح هذا القدر الكبير من المال ـ وهو الخمس ـ وهذا القدر الكبير من الفيء الذي أفاء الله سبحانه وتعالى به على رسوله من أهل القرى ، يعني كل الأموال التي وقعت بيد الرسول(صلى الله عليه وآله)مما لم يجلب عليها بخيل ولا ركاب ، أو تركها أهلها فراراً من المعركة ، وهي أموال طائلة ، كيف أصبحت هذه الأموال مختصة بمجموعة محدودة من الناس ، وهم أهل البيت(عليهم السلام)؟ ، إذا كان المقصود من ذي القربى هم أهل البيت(عليهم السلام)وحتى أنَّ المساكين وابن السبيل هم مساكين أهل البيت وابن السبيل من أهل البيت ، فكيف يمكن تفسير هذه الظاهرة الشرعية الأقتصادية؟! 
فهل أنَّ ذلك يعبر عن امتيازات طبقية؟! بحيث تصبح هذه الثروة الكبيرة بيد جماعة محدودة من الناس ، مع أنَّ القرآن الكريم في هذه الآية الكريمة نفسها يقول : 
( . . . كَىْ لاَ يَكُونَ دُولَةً بَيْنَ الاَْغْنِيَآءِ مِنكُمْ . . . ) 
يعني يريد أن يقسّم هذه الثروة على الناس لا أن يجمعها بيد جماعة معينه منهم؟!! . 
ويوجد هنا بحث فقهي في هذا المجال ، حيث نثبت فيه ـ أيضاً ـ بأنَّ المقصود من وضع هذه الأموال بيد ذي القربى باعتبار خصوصية (الإمامة) ، أي أنَّ ذي القربى هنا هو الإمام الحاكم الإسلامي ، فهو ليس منحة مالية تعطى لأرحام رسول الله بعنوان كونهم أرحام وأقرباء ، أو أبناء رسول الله بعنوان كونهم أبناء ، بل باعتبارهم الأئمة والولاة والحكام للمسلمين ، فهو مال يكون بيد الإمام والولي . 
ولذلك يكون هذا المال مختصاً بالإمام من ذي القربى بعنوانه إماماً ، ولا يشمل غير الإمام من أرحام رسول الله ، أو أبنائه .

إذن ، فهو مال مختص بمقام الولاية والإمامة ، أي بالجانب الحقوقي لذي القربى ، لا بالجانب الحقيقي ، يعني للشخص بخصوصية الإمامة([25]) ، وأنَّ الخمس يتولى صرفه ولي أمر المسلمين ، ومن يكون بيده ولاية أمورهم وشؤونهم([26]) ، لا أنَّ الخمس هو منحة لأرحام رسول الله(صلى الله عليه وآله)بما هم أرحامه ، كما أنَّ السهم الذي يعطى للسادات من الخمس ، يعطى لهم كتعويض لهم عن الزكاة بمقدار ما يكفيهم ، ويكون أمره بيد الإمام ـ أيضا ـ لا أن يكون ملكاً لهم دون غيرهم من الناس . 
وبهذا الشرح والاستدلال يمكن أن نقول : بأنَّ هاتين الآيتين تبيّن بُعد الولاية والحكم في أهل البيت(عليهم السلام) . 

   

المصدر:  سایت السبطین

      


___________________________________________
([6]) البقرة : 31 . 
([7]) البقرة : 37 . 
([8]) لم أكن عند الحديث عن النظرية ملتفتاً إلى هذه الخصوصية في الآيات الكريمة ، ولكنَّ في هذا اليوم عندما راجعت الآيات وتأملت فيها وجدت هذا التطابق ، وأشكره سبحانه وتعالى على هذا التوفيق ، وأسأله دوام ذلك وبركته ومنفعته . 
([9]) آل عمران : 33 ـ 34 . 
([10]) البقرة : 127 ـ 129 . 
([11]) راجع تفسير القمي 1 : 100 ، وتفسير الصافي 1 : 328 ـ 330 ، ومجمع 
البيان 1 : 433 . 
([12]) وتفصيل هذا البحث له مجال آخر ، حيث عالجنا جانباً منه في بحثنا (التفسير عند أهل البيت) ، فليراجع ، ولا نريد الدخول هنا في تفاصيله . 
([13]) الأحزاب : 33 . 
([14]) آل عمران: 61. 
([15]) تناولنا الحديث عن آية المباهلة وأهمية هذه الحادثة عقائدياً في حديث مستقل ، يمكن الإستفادة منه في بعض الأبعاد الأخرى . 
([16]) آل عمران : 61 . 
([17]) الشورى : 23 . 
([18]) التوبة : 24 . 
([19]) آل عمران : 31 . 
([20]) محاضرة ألقاها سماحته في العشر الأوائل من شهر رمضان المبارك 1420 ، بعنوان علاقة الأخوة بين المؤمنين ، وتمَّ طبعها بصورة مستقلة . 
([21]) البحار 27 : 95 ، حديث : 57 ، والآية الثانية من سورة الحشر : 9 ، عن تفسير العياشي 1 : 167 ، حديث : 27 . 
([22]) الأنفال : 41 . 
([23]) الحشر : 7 . 
([24]) يمكن مراجعة الميزان 9 : 103 ـ 106 ، وكذلك بحث الخمس للسيد الهاشمي الشاهرودي .
 

([25]) وهنا بحث إضافي فقهي له مجال آخر ، وهو هل أنَّ هذه الخصوصية تقييدية أو تعليلية ، ولكنَّها على كل حال اعتبرت خصوصية في الإستحقاق . 
([26]) وهذه هي فتوى كثير من مراجعنا العظام .

logo test

اتصل بنا